بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
قال تعالى (( ولكم في القصاص حياة ))
ما هو الإرتباط بين أن يعمل الإنسان عملاً وبين الجزاء على ذلك العمل ؟؟
في الواقع يوجد أربعة أنواع يمكن بها أن يرتبط الجزاء بالعمل ,, وهي :
1- إن الله تعالى يجازي المسيء على فعله تشفياً منه ...
2- أن العلاقة بين الجزاء والعمل علاقة اعتبارية ,, وذلك لحفظ النظام الإجتماعي ...
3- أو أن يكون بينهما علاقة وجودية ,, ولكن العمل في هذه النشأة والجزاء في نشأة أخرى ..
4- يوجد علاقة وجودية أخرى ,, يكون فيها العمل والجزاء في نفس النشأة .....
نقول : أما النوع الأول فهو محال على الله سبحانه ,, ولا يمكننا قبول مثل هذا القول ..
والنوع الثاني : وهو العلاقة الإعتبارية ,, فحينما نقرأ قوله تعالى في أن من يأكل مال اليتيم ,, يأكل في بطنه النار ,, يكون هذا كناية عمّا يتعرضون له من العذاب ,, فهم في الدنيا يدخلون السجن ,, وفي الآخرة يدخلون النار ,, إذاً فالعلاقة بين أكل مال اليتيم ,, والإحتراق هي علاقة اعتبارية ...من أجل حفظ النظام ,, وتخويف الناس ,, ولا يوجد هناك أي أثر كوني لأفعالهم ,,
النوع الثالث : أن بين العمل والجزاء علاقة وجودية ,, فقوله تعالى أن من أكل مال اليتيم يكون كمن أكل في بطنه ناراً .. فالمعنى يكون من قبيل شرب الماء ,, فكما أن شرب الماء يرفع العطش ,, فإن أكل مال اليتيم يحرق بالنار ,, ويكون عمله من أكل مال اليتيم في هذه النشأة ,, أما الجزاء فهو في النشأة الأخرى ...
النوع الرابع : يكون بينهما علاقة وجودية يكون فيها الجزاء والعمل في نفس النشأة فالإحتراق يكون هنا ,, فنفس العمل هو نار ,, كما الفحم ,, نضعه في النار ,, ثم بعد فترة يتحول لنار ,, يكون هو نار ,, وليس موجوداً في النار !!
فهنا الجزاء يحدث بمجرد حدوث العمل ,, ولكن البعض يلتفت لهذا العذاب ,, والبعض لا يلتفت ...
فمن له بصيرة يرى الإحتراق ,, ومن لا يملكها ,, فهو لا يرى النار بل يرى النتائج ,, فيشعر أن الحياة ضنكا ولكنه لا يعرف السبب ,, لأنه في غفلة (( قد كنت في غفلة من هذا )) .. فالغفلة كما نعرف لا تكون إلاّّ عن شيء موجود ...
والمبنى القرآني يتفق مع العلاقة الرابعة ,, فهو يجعل باطن الإنسان هو المتعرض للعذاب في هذه الدنيا ...
فالرسول ( ص ) ,, في ليلة المعراج رأى عدد من الناس ومن الذين كانوا معه ,, موجودين في النار ,, رغم أنهم أحياء ,, فما رآه رسول الله ( ص ) هو بواطن أعمالهم ..
ـــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــ
ثمرة مهمة لهذا البحث : إن من الأبحاث القرآنية الأساسية : غفران الذنوب , الشفاعة , و التوبة ...
فإذا فهمنا أن العلاقة اعتبارية ,, فغفران الذنب اعتباري ,, ففي الأساس لم يكن عليه شيء تكويني ليزول عنه ذلك الشيء بالتوبة ,, فلم يوجد وسخ كوني يغسل بالتوبة ,, فمن خالف أمر الله تعالى يكون كمن خالف المرور ,, يدخل السجن فترة ثم يخرج وليس عليه أي وسخ أو درن كوني ..
فمثلاً لو لم يطبّق عليه الحكم ,, أو لم يعلم بفعله الآخرون فلا يكون عليه شيء ,, وليس لذنبه أثر كوني ...
والشفاعة كذلك لأن الشفيع يريد أن يزيل أمراً ,, هذا الأمر إن قلنا أنه اعتباري ,, يكون عمل الشفيع رفع العقاب الإعتباري ,, وذلك لكي لا تترتب عليه أمور اعتبارية ...
أما إذا قلنا أن العلاقة كونية : فالشفاعة تقوم بعمل كوني وجودي ,, فالإنسان بذنبه كان معيباً حقيقة ,, متسخاً حقيقة ,, فالشفاعة تريد إخراجه من كونه كذلك ...
وتريد إخراج الله تعالى من مصداق كونه منتقم ,, لمصداق أنه جواد كريم ..
إذاً فإذا كانت العلاقة اعتبارية كانت النتيجة اعتبارية ,, وإن كانت كونية ,, فالنتيجة كونية ....
موضوع: العلاقه بين العمل والجزاء